{أهمية العلم ووجوب طلبه}

إن العلم أشرف ما رغب فيه الراغب، وأفضل ما طلب وجد فيه الطالب، وأنفع ما كسبه واقتناه الكاسب، لأن شرفه يثمر على صاحبه، وفضله يزداد عند طالبه، وقد شرف الحق سبحانه وتعالى العالم وميزه عن غيره، وأخبر أنه لا يعقل آياته ويفهمها حق فهمها، وينزلها المكانة اللائقة بها إلا العالمون، فقال سبحانه (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)،(سورة الزمر –الآية :8.) وقال أيضا (وما يعقلها إلا العالمون)،(سورة العنكبوت-الآية :43.) وقال سبحانه (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم).(سورة العنكبوت-الآية :48.)
ويكفي العالم فضلا وشرفا أن الله عز وجل قرن شهادته إلى شهادته فقال (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط، لا إله إلا هو العزيز الحكيم).(سورة آل عمران –الآية :17.)
ويكفيه فخرا واعتزازا أن الله رفع درجته، وأعلى مكانته في الدنيا والآخرة، فقال عز وجل (يرفع الله الذين آمنوا منكم، والذين أوتوا العلم درجات)، (سورة المجادلة –الآية :11.)وما ذلك إلا لأن العلماء أكثر الناس معرفة بربهم، وأحرص الناس على تبليغ كلام ربهم، بل هم أكثر الناس خشية لربهم. قال سبحانه (إنما يخشى الله من عباده العلماء).(سورة فاطر- الآية :28.)
وليس غريبا أن تكون أول ما نزل على النبي (صلى الله عليه وسلم) (اقرأ)(سورة العلق – الآية : 1.) للدلالة على أهمية العلم، ووجوب طلبه، والحرص عليه، وقد قال (صلى الله عليه وسلم) :”طلب العلم فريضة على كل مسلم“.( أخرجه ابن ماجة :باب :” فضل العلم” رقم الحديث :220.)
وروى الترمذي عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول:”من سلك طريقا يلتمس فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء“.(أخرجه البخاري في “كتاب العلم” والترمذي في باب :”فضل العلماء” : رقم الحديث : 2648.)
قال العلامة القرطبي رحمه الله :(وقوله عليه السلام :”إن الملائكة لتضع أجنحتها…”- الحديث- يحتمل وجهان:
– الوجه الأول: أنها تعطف عليه وترحمه كما قال تعالى (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة)،( سورة الإسراء –ا لآية :34.) أي تواضع لهما.
– والوجه الآخر: أن الملائكة إذا رأت طالب العلم يطلبه من وجهه ابتغاء مرضاة الله، وكانت سائر أحواله مشاكلة لطالب العلم، فرشت له أجنحتها في رحلته، وحملته عليها، فمن هنالك يسلم فلا يخفى إن كان ماشيا، ولا يعيى، وتقرب عليه الطريق البعيدة، وتذلل عليه العقبات، وتدفع عنه أنواع الضرر: كالمرض، وذهاب المال.(الجامع لأحكام القرآن : 8/296.)
قال بعض البلغاء :
تعلم العلم فإنه يقومك ويسددك صغيرا، ويقدمك ويسودك كبيرا، ويصلح زيفك و فاسدك، ويرغم عدوك وحاسدك، ويقوم عوجك وميلك، ويصحح همتك وأملك.
تعلم فليس المرء يولد عالما
وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لا علم عنده
صغير إذا التفت عليه المحافل
(أدب الدنيا والدين، للماوردي /ص :63.)
قال النووي رحمه الله:
” العلم حياة القلوب من الجهل، ومصباح البصائر في الظلم، به تبلغ منازل الأبرار، ودرجات الأخيار، والتفكر فيه ومدارسته ترجح على الصلاة، وصاحبه مبجل مكرم”.(المجموع شرح المهذب :1/36.)
إن صفاء أمور الدنيا واستقامتها لا يكون إلا بالعلم.
قال “ابن حبان البستي” صاحب “الصحيح” رحمه الله:
“الواجب على العاقل إذا فرغ من إصلاح سريرته أن يثني بطلب العلم والمداومة عليه، إذ لا وصول للمرء إلى صفاء شيء من أسباب الدنيا إلا بصفاء العلم فيه، وحكم العاقل أن لا يقصر في سلوك حالة توجب له بسط الملائكة أجنحتها رضا بصنيعه ذلك”.( روضة العقلاء ونزهة الفضلاء :ص 36.)
وإن السيادة على الأمم وبناء الحضارات لا يكون إلا بالعلم والأخذ بأسبابه، إذ هو حياة أهله، وبه يستحقون صفة الحياة، ويدركون معنى الوجود، وغيرهم أموات لا يعبأ بهم، ولا قيمة لهم.
وفي الجهل قبل الموت موت لأهله
فأجسامهم قبل القبور قبور
وإن امرأ لم يحي بالعلم ميت
فليس له حتى النشور نشور
ولما كان العلم حياة، كان أهله خيار الأمة وعدولها….قال (صلى الله عليه وسلم):”يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله“،
ينفون عنه تحريف الضالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين”.( أخرجه ابن عبد البر في “التمهيد” 1/58-59، وروي بطرق ضعيفة، وصححه ابن حبان، انظر “توضيح الأفكار” للصنعاني :2/129.)
فالعلماء بهذا حراس الدين، والحاملون لواء الهداية، وبذلك استحقوا الخلافة عن المرسل في التبليغ والصيانة، وكانوا أهلا لوراثة الأنبياء في الدعوة إلى الله تعالى، وتبليغ دينه، لأن “الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر“.(طرف من حديث أخرجه ابن ماجة 1/81، وأبو داود :3/317.)
في الدنيا يكون العالم خيار الخلق، قال (صلى الله عليه وسلم) :” إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة“.( أخرجه الترمذي : 5/50.)
وفي الآخرة يكون شفيعا في الخلق، فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):
“يبعث العالم والعابد، فيقال للعابد: ادخل الجنة، ويقال للعالم: قف حتى تشفع للناس“.(أخرجه أبو قاسم الأصبهاني في “الترغيب والترهيب”:2/881.)
إن العلم صيانة للنفوس، وحياة لها، وصفاء للأرواح ورقي للأمم، وبناء للحضارات، وهو أفضل العبادات وأجلها.
فعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :”يوزن يوم القيامة مداد العلماء ودم الشهداء فيرجح مداد العلماء على دم الشهداء“،(نقله الحافظ شرف الدين الدمياطي في كتابه “المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح” ص: 8، وعزاه لأبي نعيم في كتابه “رياضة المتعلمين”.) وذلك لأن معركة السيف جولة، ومعركة القلم أعوام وقرون.
أخرج الحافظ ابن عبد البر رحمه الله عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):” تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام، ومنار سبل أهل الجنة، وهو الأنيس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، والزين عند الأخلاء، يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة وأئمة تقتص آثارهم، ويقتدى بفعالهم، وينتهى إلى رأيهم، ترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم، يستغفر لهم كل رطب ويابس، وحيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه، لأن العلم حياة القلوب من الجهل، ومصابيح الأبصار من الظلم، يبلغ العبد بالعلم منازل الخيار، ودرجات العلى في الدنيا والآخرة، والتفكر فيه يعدل الصيام، ومدارسته تعدل القيام، به توصل الأرحام، وبه يعرف الحلال والحرام، وهو إمام العمل والعمل تابعه، يلهمه السعداء، ويحرمه الأشقياء“.(أخرجه ابن عبد البر في “جامع بيان العلم وفضله ” 1/8، وقال : هكذا حدثنيه أبو عبد الله بن محمد رحمه الله مرفوعا، وهو حديث حسن جدا، ولكن ليس له إسناد قوي، ورويناه من طرق شتى موقوفا)
منقول(habous.gov.ma)